الخميس، 29 سبتمبر 2011

محمد صادق الصدر ، صدر العراق وكيانه الفكري والروحي وقلب العراق النابض.


بقلم : صادق الموسوي
بمناسبة ذكرى استشهاده ونجليه نكتب للعظماء
ماذا نكتب عن رجل شهد له الأعداء قبل الأصدقاء بالنبل والعفة والشهامة والشجاعة والعلم  وكافة الفضائل التي تجسدت في هذه الشخصية الفذة التي منحت الإنسانية الكثير من المفاهيم الصادقة والصالحة لتعديل مفاهيم الدين الصحيح الذي فاق علم التفسير والتأويل والمعارف الحقة في علم الفروع والصول وجميع مدارس الفقه حتى وصل إلى فقه الفضاء والذي هو أول من وضع هذا الفقه في هذا العصر .
فإننا عندما نحيي ذكرى عظمائنا ونمجدهم لما تركوه للبشرية من منافع شتى، إنما هو تعظيم للأمة ولنا شخصيا ممن اتبعه في نهجهم الفكري والعقائدي من الذين  اتبعوهم ، فيعتبرون كل عالم  ابا روحيا لهم .
وكم هم عظمائنا الذين ساروا على هذا النهج القويم منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ،
ومن الذين ساروا بركب الشهادة من عظماء الأمة الإسلامية السائرين على نهج الشهادة والتضحية أسوة بقادة الأمة من بيت أهل الطهارة والعصمة .
منهم : محمد باقر الصدر وأبو القاسم الخوئي ومرتضى البرو جردي وعلي الغروي
 وال الحكيم قدس الله إسرارهم وانفعنا الله بعلمهم.
فاليوم نستذكر احد هؤلاء العظماء للذكرى السنوية لاستشهاده مع  نجليه رحمهم الله .
هو  الشهيد السعيد محمد صادق الصدر صدر العراق وكيانه الفكري والروحي وقلبه النابض وعقله المدبر الذي اجتاز المدى في علمه لتصور العقول والذي فاق علمه علوم فقهاء عصره ،في الفقه والأصول وعلم الأخلاق وعلوم الفلسفة الإلهية التي قل نضيرها في ان تجتمع في كيان  شخص واحد ،
 سوى من ألهمه الله عز وجل من علمه المخزون وأشرق في قلبه نور العلم  والمعرفة ألحقه لتكملة النفس الإنسانية  وسعيها الى نيل الكمال الأسمى الذي يحقق للفرد إنسانيته  كي يصبح عبدا من عباد الله المخلصين ، فعندها تتحد ارادة الخالق بعبده المخلوق
فكل مئة عام يبعث الله رجلا يحيي به دينه (الصادق عليه السلام )
به أحيا الله دينه وشريعته  بعد ما غيبت معالم الحقيقة فقد بين  للمؤمنين  طريق الحق واليقين بعدما كانوا في متاهة في مسالك الطرق المتشعبة الواهمة المظلمة التي شوهها أعداء  أهل بيت النبوة  من المعارف الحقه لمعرفة الهدف والغاية من السير بهذا الاتجاه الصحيح.
فكان العلم واضحا في سلوكه الديني حيث كان مرجعا للمراجع والعلماء، وقد  فاق في تقديم أطروحات نهجه  نهج العلماء ، وخاض كافة الحقول الإسلامية الأخرى كالعقائد والتفسير والتاريخ والأخلاق وعلم النفس والتأويل بعد التفسير لآيات القران الكريم ووضع المنهج الصحيح .
جوانب في شخصية السيد محمد صادق الصدر( قد ) والتي تجعلنا ننجذب نحوها لما تحمله من سمات قيمة .
من سماته قدس سره هي سمة العاطفة الحارة والإحساس المرهف الصادق والشعور الأبوي اتجاه الجميع دون النظر الى دين الشخص او مذهبه ، ولهذا كان زواره يتوافدون  إليه من كافة الدول والمحافظات العراقية بدون النظر لدين الفرد ومذهبه  .
فكان يحث المؤمنين بالذهاب الى أماكن العبادة لسنة العراق والصلاة معهم وبالخصوص صلاة الجمعة ، وهذا ما جعل الكثير من أتباع المذاهب الإسلامية بالحضور الى مسجد الكوفة والاستماع الى خطبته والصلاة خلفه ,
 فكان قدس سره يحث جميع المسلمين على وحدتهم وعدم الاستماع الى الشيطان وزبانيته
(يقصد بها صدام ونظامه).
كان يحمل صفات  أجداده من سلالة أهل بيت العصمة ( صلوات الله عليهم ) ويقتدي بهم ومن هذه الصفات أجابته للسائل  بمقدار استيعابه وتحمل عقله ، وكان يقول من كسر شيئا فعليه جبره
ومعناه ان لا تعطي الحكمة لمن لا يستحقها او نيلها لمن لا يتحمله عقله وخاصة في الإجابات المطلقة التي لم يستسيغها عقل السائل  ، لأنه في مرحلة التطور والنمو الفكري. فيكون الجواب بما يتحمله عقله من بواطن وتخوم التفسير والتأويل .
اول معرفتي به وما جرى لي من صعقة في أعماق كياني .
عندما تراه تشعر  بحالة غريبة تحس من خلالها بحب وعاطفة تمتلك قلبك اتجاه شخصيته .
فعندما تحادثه يصغى إليك باهتمام كبير ورعاية تامة ، لا يدير بوجهه عنك .
وهي احد سمات العالم الرباني، وقد ضرب بهذا الخلق الكريم والتواضع العالي أروع الأمثلة
وأصبحت  دروس عملية في الأخلاق  يقتدي بها كل من أراد التقرب الى خالقه  من خلال هذه الفضائل والأخلاق الحميد وهي أخلاق الله المتجسدة بمبادئ وقيم أهل البيت و أخلاقهم السامية
فعند اصطفافي في البراني مع جمع من المؤمنين لإلقاء التحية ومصافحته  ،
كان اثنين من الأشخاص أمامي احدهم بعد ان قبل يد السيد عنوة  ، لأنه لا يرضى من احد ان يقبل يده ، صرخ السيد امسكوه ، فامسكوه فتقم السيد الصدر كي يقبل يد الشخص ،
 فقال دعني اقبل يدك كما فعلت معي ، لأني لا أريد ان يطول مكوثي أمام الله عز وجل ويحاسبني على تقبيلك يدي ،
 ففر الشخص الى الخارج بدون ان يجعل السيد يقبل يده ، حينها قال لا أرضا ان تقبلوا الأيادي كائنا من كان .
وشخص آخر همس في أذنه  ولكن السيد زجره وأبعده من أمامه ، حينها التفت خلفي  إلى أصحابي الثلاث الذين كانوا معي وقلت لهم ، الأمور لا تبشر بخير، وعندها علمت بان الشخص طلب منه ان يقبل يديه ، فبعده السيد كي لا يفعل .
 وعندما حان دوري للسلام عليه قبلته بوجنتيه وتحت  لحيته الشريفة
وهو يسحب يده الى الخلف خوفا من اقبلها كما فعل السابق ، عندها وضع يده على راسي واربت على كتفي وصدي وهو يقول لي بارك الله فيك وفي والديك ، انك الى خير.
واقسم بالله الذي لا الله الا هو، حين وضع يده الشريفة على  راسي وصدري أزال غمامة من حجاب الوهم  التي انزاحت من أمام عيني وقلبي وشعرت بها كأني أراها، فخرجت منه وأنا إنسان آخر.
فتح في عقلي وصدري أبواب من العلم والمعرفة ،  ولهذا قلت لأصدقائي الثلاث  من ألان انا مقلد السيد محمد صادق الصدر ،
 وبعدها أصبحت  أتواصل معه وأرسلني الى الثقاة  من أهل العلم لكي أتلقى على أيديهم علوم المعرفة التي لا ينالها إلا ذو حظ عظيم .
فكان يوم استشهاده فاجعة أصابت قلوب محبيه وتركت شرخا صدع في النفس الإنسانية
كان يخاطب جميع  الناس ويتصدى بقوة لكافة الجماعات المنحرفة ومحاربته للأفكار الضالة والمنحرفة عن مسار الدين الصحيح  التي سادت في عصره وتكالبت فيه قوى الاستكبار ويعاضدها الجهل والاستعباد وطغيان الحكام لشعوبها وفرض إرادتهم الطغاة على شعوبها .
ومن مقولته المشهورة
( اذا فسد المجتمع فعلى العالم إظهار علمه ولا ينبغي له السكوت)
هذا هو صدر العراق وقلبه النابض الذي عاش حياة العظماء  وحياتهم تزخر بالمواقف الشجاعة والجريئة
التي أثرت على  الساحة العلمية والجهادية وزادها من علوم المعارف لأصحاب العقول النيرة ، الذي تخرَّج من مدرسته آلاف المؤمنين والمجاهدين في عصر تكالبت فيه قوى الاستكبار ويعاضدها الجهل والاستعباد 
.
ويبقى محمد الصدر علما شامخا لأهل العلم والتقى ومنهجا ينتهجه كافة الأحرار ومدرستا  لمن أراد ان يرتوي من الماء المعين ويقتبس من النور الساطع ، ومعرفة الحق القاطع لدحض الباطل  ،
وعلينا ان لا ننسى  جميع مراجعنا العظام الذين افنوا حياتهم من اجل تعليم الآخرين الذين وقفوا المواقف الطيبة في زمن الشهيد وما بعد رحيله ، حيث ان إرادة الله جارية في خلقه التي يفهمها العلماء قبل ان يدركها أصحاب العقول النيرة ،
 وكان السيد محمد صادق  الصدر يدرك هذه الحقيقة جيدا و يعلم ماذا يقصد  بمقولته المشهورة بالحوزة الناطقة والحوزة الصامتة ، والتي تمثلت بالسيد الصدر والسيد السيستاني حفظه الله
 وهي حكمة إلهية يراد منها تفويت الفرصة على الطواغيت في عصره من الانتقام من جميع أتباع أهل البيت وعلمائهم وبالخصوص إبقاء حياة السيد السيستاني أدام الله بقاءه لتكميل المسيرة بعده  والإبقاء على حياتهم لأنه على علم بأنه راحل عن هذه الدنيا بوقت قريب .
وما جرى من أحداث النجف بعد سقوط النظام  من إبادة كبيرة لأتباع التيار الصدري .
فلولا تدخل السيد السيستاني لسالت الدماء انهارا .
وجاء ذلك من خلال مقوله لجدهم  امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام حين قال :
(كان محمد (ص) الناطق وأنا الصامت ، فلابد من كل زمان من ناطق وصامت ).
محمد  ناطق وعلي صامت
فقد تجسدت المقولة بمحمد الصدر الناطق وعلي السيستاني الصامت
بإرادة وحكمة من الله تعالى ،ومن يدرك هذا الكلام عليه ان يدرك الحكمة ويتحفظ عن النطق بالتطاول على الغير .
رحم الله جميع علمائنا ورحم الله السيد محمد صادق الصدر قدس سره الشريف ورحم الله أبنائه مصطفى ومؤمل  الذين استشهدوا معه ورحم الله جميع شهداء العراق الذي ضحوا بالنفس من اجل مبدا العقيدة والدفاع عن الدين القويم ،
فسلاما عليك يا صدر العراق ومنهجه الباقي في ضمائر الاحرار 
وسلاما عليك يوم ولدت ويوم حييت ويوم تبعث حيا مع منقذ البشرية عليه السلام  لتكون شاهدا على من اتبع نهجك القويم .
 
صادق عبد الواحد الموسوي
سكرتير تحرير جريدة النداء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق